وسط أجواء ما بعد كأس العالم الأخيرة، وفي وقت كانت فيه الأضواء تلاحق النجاحات والانتصارات، انفجرت قضية غير متوقعة شغلت الرأي العام الرياضي في فرنسا. ما بدا للوهلة الأولى لفتة إنسانية من نجم لامع تجاه عدد من رجال الأمن، تحوّل بسرعة إلى مادة دسمة للتحقيقات المالية، بعد أن تم الكشف عن تفاصيل صادمة بشأن تحويلات مالية مباشرة.
التحقيق بدأ من حساب مصرفي في موناكو، حيث تم تحويل مبلغ قدره 180,300 يورو إلى خمسة من أفراد الشرطة، بعضهم كان مكلفًا بمرافقة المنتخب الوطني في مونديال قطر. على الرغم من أن هذه التحويلات لم تُخفَ، فإن طبيعة المستفيدين وهويتهم أثارت تساؤلات واسعة، خصوصًا مع ورود معلومات تشير إلى أن من بينهم قائد الفريق الأمني المصاحب للبعثة.
لمزيد من أخبار اخبار ريال مدريد اضغط هنا
المفاجأة الحقيقية لم تكن في المبالغ فقط، بل في أن الجهة المتبرعة لم تكن جمعية أو منظمة خيرية، بل شخصية رياضية مشهورة. ورغم أن تصرفه وُصف في البداية بأنه بادرة تقدير وعرفان، إلا أن الأمور اتخذت مسارًا مختلفًا عندما تدخلت الجهات الرقابية المالية للتحقيق في قانونية هذه الهبات، خاصة في ظل وجود قواعد صارمة تنظم علاقة المدنيين بالعاملين في مؤسسات الدولة.
اللاعب المعني بهذه القضية هو كيليان مبابي، نجم المنتخب الفرنسي وصاحب واحدة من أبرز الانتقالات في العقد الأخير إلى ريال مدريد. وكشف الإعلام الفرنسي أن مبابي قدّم تبرعات مالية مباشرة لخمسة عناصر من شرطة مكافحة الشغب، أربعة منهم حصل كل منهم على 30,000 يورو، بينما حصل القائد على مبلغ 60,300 يورو، وتم ذلك بموجب رسالة موقعة شخصيًا منه، يؤكد فيها أن الأموال جزء من مكافآته في كأس العالم.
فيما أصر مبابي على أن تصرفه كان قانونيًا وبحسن نية، إلا أن الهيئة الفرنسية لمراقبة النشاطات المالية (Tracfin) فتحت تحقيقًا رسميًا، مشيرة إلى وجود علامات استفهام حول مدى التزام هذه التحويلات بالتصاريح الضريبية والإجراءات الرسمية. وبدأت بالفعل سلسلة استدعاءات لبعض الضباط المتورطين في القضية، وسط ترقب لمصير هذا الملف الشائك.
المسألة هنا لا تتعلق فقط بالنوايا، بل باللوائح القانونية التي تنظّم علاقة المشاهير بمؤسسات الدولة، خصوصًا في ما يخص تقديم مكافآت مالية لموظفين حكوميين. بعض المصادر ذكرت أن أحد الضباط الذين تلقوا الأموال كانت له علاقة شخصية بمبابي ورافقه في رحلات خاصة، وهو ما أضاف بُعدًا جديدًا للقضية، وفتح باب الشبهات حول تضارب المصالح.
من المعروف أن مبابي لطالما شارك في أعمال خيرية، وسبق أن تبرع بمكافآته في كأس العالم 2018 لصالح مؤسسات تدعم الأطفال المرضى، إلا أن الوضع هذه المرة مختلف تمامًا، لأن المستفيدين ليسوا جهات غير ربحية بل موظفين رسميين، ما يجعل القضية تخضع لتدقيق من نوع آخر.
التوقيت أيضًا لم يكن في صالحه، إذ تأتي هذه التحقيقات بعد أيام من إتمام انتقاله الكبير إلى ريال مدريد، في صفقة جذبت أنظار العالم. وعلى الرغم من أنه لم يتم توجيه أي اتهام جنائي ضده حتى الآن، فإن مجرد ارتباط اسمه بتحقيق مالي من هذا النوع قد يكون له تأثير على صورته العامة لدى الجماهير والشركات الراعية.
القضية الآن في عهدة المفتشية العامة للشرطة الفرنسية (IGPN)، وقد تم إخطار النيابة العامة رسميًا، ما يشير إلى أن الملف قد يأخذ وقتًا طويلًا قبل أن يُغلق، وربما يؤدي إلى فرض قواعد جديدة تنظم علاقة الشخصيات العامة مع الجهات الحكومية، تجنبًا لتكرار مثل هذه الحوادث.
القصة ليست فقط عن لاعب أو تبرع، بل عن منطقة رمادية تفصل بين العرف والأنظمة، بين الامتنان والتجاوز، وبين التصرف النبيل والمسؤولية القانونية. وتبقى الأسئلة مفتوحة: هل أخطأ مبابي بتصرفه؟ أم أنه ضحية لنية طيبة لم تُفهم بالشكل الصحيح؟
ما رأيك أنت؟ هل تصرّف مبابي كان محل تقدير أم خطأ قانوني؟ وهل يجب على المشاهير إعادة التفكير في طريقة تعبيرهم عن الامتنان؟